اسقاط “الحكومة” من الخطاب الملكي

شأنكم23 أغسطس 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
شأنكم
أخباروجهة نظر
شأنكم

بقلم : عبد العزيز بوسهماين

وأنا أتفحص الخطاب الملكي الأخير بتمعن كبير وتدبر منقطع النظير ، تارة بالسماع وأخرى بالقراءة ، من حيث المعجم اللغوي في ارتباطه بالموضوع ، لاحظت أن الملك ـ حفظه الله ورعاه ـ وظف مفهوم الدولة في مواضع متعددة وغيب توظيف مفهوم الحكومة بشكل تام رغم أن المقام والمقال يقتضيان المرور على ذكرها ولو مرور الكرام .
ولأن كلمات الخطب الملكية ـ منذ سنوات ـ يتم اختيارها و توظيفها بعناية جد مركزة في جمل لا مجال فيها للاطناب أو الحشو … وبلغة لا تحتمل الخشب فقد لاحت الى نفسي تساؤلات من قبيل : هل الدولة هي نفسها الحكومة ؟ أم أن لتغييب ذكر الحكومة دلالات ورسائل مشفرة تقتضي اعمال الافهام ؟؟
بداية لا بد من التمييز ـ بعجل ـ بين مفهومي “الدولة ” و “الحكومة” حتى تتضح الرؤية .
من المعلوم جدا أن الدولة ليست هي الحكومة لأن مفهوم “الدولة” أكثر شمولية من مفهوم “الحكومة ” ، حيث ان الدولة تشمل الحاكم والمحكوم والاقليم الذي تقوم عليه وجميع مقوماتها و رموزها المقدسة ” كالدين واللغة و الثقافة والتاريخ”… وكذا علاقاتها الديبلوماسية مع محيطها الدولي والعالمي مع تميزها بالديمومة والاستمرار، أما الحكومة فهي جزء من الدولة وسلطة من سلطاتها الأخرى ( كالقضائية والتشريعية والإعلامية ) ، اذ تعتبر الجهاز التنفيذي الذي تمارس الدولة من خلاله سلطتها كمحرك لمؤساساتها وأجهزتها لتنفيذ توجهاتها الكبرى لفترة زمنية محددة .
من خلال هذه الإضاءة البسيطة يتبين بأن “الحكومة ” كجهاز لها ، أولا، سلطة التشريع لامتلاكها الأغلبية البرلمانية ولها ، ثانيا ، سلطة التنفيذ ، بمعنى أنها تشكل ـ باللغة البسيطة ـ نصف الدولة على أقل تقدير مع الأخذ بعين الاعتبار بنظرية ” وجود التماسيح والعفاريت” التي حذر منها الشيخ بنكيران قبل أن يصير واحدا منها ويبتلع لسانه ومع لسانه السبعة ملايين “المستدامة” التي أتاه بها ذات ليلة مقمرة ” السي فؤاد ” الذي كان يعتبره صاحبنا كبير التماسيح .
وعليه ، وكتحليل شخصي يحتمل الصواب والخطأ ، فلا أعتقد أن ذكر “الحكومة ” قد سقط سهوا أو اعتباطا من الخطاب الملكي خاصة وان موضوع الخطاب ( محاربة الوباء وتداعياته…والتوعية… ) من أهم اختصاصاتها الموكولة اليها دستوريا من طرف الدولة .
فملك البلاد ، و بصفته رئيسا للدولة وهو يعي جيدا مايقول ، تحدث عن مجهودات الدولة ووظف مصطلحات من قبيل ” الجميع ” ، ” السلطات العمومية ” ، ” القوى الوطنية ” ، “المغاربة” ،” الشعب ” ، “اللجنة العلمية ” بالإضافة الى ” نا ” الدالة على المتكلم بصيغة الجمع للتعظيم الواجب في حقه ، غير أنه لم يأت على ذكر كلمة “الحكومة” أو ” حكومتنا ” كما اعتاد في خطابات سابقة رغم أنها مسؤولة على التشريع والتنفيذ والتوعية والتواصل مع الشعب بشكل مباشر .
وبالعودة الى نبرة التوجس للخطبة التي يتأسف من خلالها الملك عن تدهور الوضع الصحي الذي وصفه بأنه لا يبعث على التفاؤل مؤكدا أن من يقول للشعب غير تلك الحقيقة فهو كاذب ، واذا تساءلنا عمن يقول “غير تلك الحقيقة ” للشعب سنجد طبعا أن “الكاذب” هنا هي الحكومة التي ما فتئت تُطمئن الشعب بأن الوضع متحكم فيه وتحت السيطرة وما الى ذلك من تصريحات لرئيس الحكومة وناطقها الرسمي وسلطاتها الصحية والتي تسير كلها في اتجاه الغرور والتفاخر و مدح الذات والاشادة بالتغلب على الوباء وبالتفوق على الدول الأخرى في محاربته مما جعلنا كمواطنين نعتقد أننا فعلا انتصرنا فخرجنا للاحتفال بالعيد والصيف ، ففي ذلك إشارة ضمنية على عدم رضى الملك عن مستوى أداء الحكومة وعن تصرفات المواطنين الذين هم تحت مسؤوليتها سواء بالتوعية أو بالزجر رغم أن “الدولة أعطت أكثر مما لديها من وسائل وإمكانات” .
وان ما يزيد من تأكيد هذا الطرح هو توجيه الملك خطابه و دعوته ” لكل القوى الوطنية، للتعبئة واليقظة، والانخراط في المجهود الوطني، في مجال التوعية والتحسيس وتأطير المجتمع، للتصدي لهذا الوباء” وكأن الحكومة غير موجودة .
الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب ، وبتحليل لغوي وموضوعي ، يكون قد دشن ثورة لاسقاط الحكومة باسقاط ذكرها عملا بمقولة ( أميتوا الباطل بعدم ذكره ) ، ويبقى الدور على الشعب ليدشن هو الاخر ثورته قريبا لتكتمل ثورة الملك والشعب في نسختها الجديدة تُتوجُ باسقاط الحكومة من صناديق الاقتراع .

خبار عاجل

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق