سمر رمضاني: نافذة على الادب الامريكي: رواية ( ملائكة وشياطين) للكاتب الامريكي دان براون : غاليلي ،سافونارولا وقصة ثأر قديم.

saidchanoukome9 أبريل 2022آخر تحديث : منذ سنتين
saidchanoukome
أخباروطنية
سمر رمضاني: نافذة على الادب الامريكي: رواية ( ملائكة وشياطين) للكاتب الامريكي دان براون : غاليلي ،سافونارولا وقصة ثأر قديم.

بقلم ناصر الحرشي… - شأنكم Tv

Dan Brown bookjacket cropped - شأنكم Tv
AppleMark

شخصية روبرت لانغدون البطل الرئيسي في هذه الرواية المثيرة أشهر من نار على علم. يعرفه طلاب الجامعة. في جامعة هارفارد، اسم البروفيسور محفور بأحرف من نار في مدرجاتها كأستاذ متخصص في مجال دراسة الأيقونات الدينية وهو من وضع ثلاثة كتب حول دراسة الرموز الدينية وتفسيرها.
من الواضح أننا لسنا بصدد إثارة إشكال ثانوي، عابر وظرفي إنها إشكالية قديمة، تعود إلى عصور ما قبل النهضة الأوروبية في إيطاليا، إبان القرنين الخامس عشر والسادس عشر، أو تلك النهضات الأخرى التي تفجرت هنا وهناك في العالم الأوروبي.
هذه الرواية تستعرض قصة صراع وثأر قديم بين رجل العقلانية والفكر التجريبي والمؤسسة الكهنوتية الكنائسية المسيطرة قديما، وصاحبة السلطة الدينية والدنيوية في أوروبا ما قبل النهضة، والانطلاقة الفكرية لعصر الأنوار. وفي محاولة لتأسيس نقاش مفتوح ظلت أبوابه موصدة في وجه حقل معرفي متميز. ويأتي هذا المنجز الخطابي لمخاطبة هذه القضية على نحو قائم بين الحقيقة الدينية والحقيقة العلمية والفلسفية، وآن الأوان لكي يخرج العقل وينهض لمواجهة التحدي المفروض عليه، ويضع حدا لمشكلاته وتناقضاته، فقد مارست الكنيسة سلطانها وتدخلت في خصوصيات الإنسان، كما حددت قواعد مسيرة حياته، وشرّعت القوانين المفروضة على سائر مواطني الدولة وأكرهتهم بالقوة على الالتزام بها. فمن خلال الصفحات الأولى للرواية يخبرنا السارد بمصرع العالم الفيزيائي ليوناردو فيترا في مكتبه في مركز الأبحاث العالمية في سويسرا (مركز CERN) والقاتل عضو من الحشاشين في أخوية سرية قديمة تدعى الطبقة المستنيرة، فالضحية هو لاهوتي وباحث في مجال المادة ومضادة المادة، ولهذه الأخوية السرية القديمة ثأر قديم ضد الكنيسة الكاثوليكية. وسيعمد بعد ذلك منفذ الجريمة على وسم الضحية برمز سري، وهو ما سيعمل البطل روبرت لانغدون على فكه وتفسيره بمعية العالمة الفيزيائية الفاتنة والغامضة فيتوريا فيترا، ابنة الضحية بالتبني والمشككة في نظرية اينشتاين النسبية. إن هذه الواقعة أي مقتل رجل الدين والعلم على يد رجل العلم تنشر خيوطها في مسارات متعددة، وتشتغل على هذا الأساس كصدى لباقي فصول الرواية. إننا أمام نقطة التواصل بين السارد والمسرود له. وهو تواصل لا يمكن أن يتم في شكله الأفضل إلا من خلال التجسيد الزماني والتجسيد الفضائي، أي أن عملية الافتتاح السردي تنطلق من واقعة الجريمة، ثم إخطار البطل هاتفيا بتفاصيلها من طرف شخصية علمية وازنة وباحثة في المجال العلمي نفسه الذي كان يشتغل فيه الضحية تدعى ماكسيمليان كوهلر، وهو رجل مقعد على كرسي متحرك ستتم تصفيته هو الآخر من طرف المنظمة السرية نفسها. ارتكاز الرواية على مقول سابق أسس لمقول جديد لا يفهم إلا في علاقته بما قيل سابقا. إنها فاتحة لحدث مستقبلي على مستوى الحكى وركيزة لحدث ماض على مستوى القصة. من هنا يكون دخول العنصر السردي بمثابة اختراق لطولية التجربة الإنسانية، أي قصة الصراع بين العقل والدين ومفصلتها في عناصر، وتحديدها من خلال ردها إلى كائن حي يملك داخل الرواية مرجعه الإخباري، عبر تميز الذات العارفة (روبرت لانغدون /فيتوريا فيترا/ ماكسيمليان كوهلر/ العالم واللاهوتي الأسطورة ليوناردو فيتر/ مكتشف مضاد المادة المتفجرة عبر تسريع الجسيمات السكرتير البابوي/ الكرادلة وفرقة الحشاشين العلمانية) وهم شخصيات تمتلك حاسة إدراكية خاصة، ليس في متناول الجميع فالانطلاقة السردية المدشنة للقصة تجد نقطة انطلاقها في حدث الجريمة والأركان المكونة لها، ثم سلسلة الجرائم التي تلتها، المتمثلة في اختطاف الكرادلة الأربعة من الفاتيكان من طرف الطبقة المستنيرة، ثم قتلهم بطريقة مروعة تقشعر لها الأبدان مع وسم صدورهم برموز هذه الطبقة، أي العناصر المكونة للعالم (النار ـ الهواء ـ التراب ـ الماء) كرد فعل انتقامي من جرائم الكنيسة الكاثوليكية قديما في حق العلماء والمفكرين والفلاسفة، في إطار تصفية الحسابات. هؤلاء الكرادلة الأربعة هم مرشحون لشغل منصب البابا الذي مات بدوره في ظروف غامضة بعد أن تم تسميمه من طرف أحد عناصر هذه الأخوية السرية، كما أن للسكرتير البابوي اليد الطولى في هذه الجرائم (عضو سري في الأخوية) فمدينة الفاتيكان العاصمة الروحية للعقيدة المسيحية الكاثوليكية كانت مسرحا لهذه الأحداث بعد اختراقها من طرف صابئة هذه الطبقة المستنيرة، وبالتواطؤ مع هذا السكرتير البابوي قبل أن يكتشف أمره وينتحر بدوره. هذا الكاردينال المتآمر مع أعداء العقيدة اليسوعية هو ابن غير شرعي للبابا الهالك، ثم سرقة المادة المضادة المتفجرة قصد تفجير مدينة الفاتيكان عدوة الطبقة المستنيرة قديما. فرحلة البحث والتقصي من طرف روبرت لانغدون وفريق الحراس السويسريين للإمساك بخيوط الجريمة، وفك لغز الشيفرات الدينية والرموز المنقوشة على صدور الضحايا، ثم الوقوف على حقيقة هذه الطبقة المستنيرة وتاريخ صراعها مع الكنيسة الكاثوليكية، والعمل على إنقاذ قبر القديس بطرس والمدينة المقدسة من خطر تفجيرهما. فلاعب البولو المائي والمعتاد على المعارك الشرسة تحت الماء، أي الشخصية الموجهة لدفة الكون الروائي روبرت لانغذون، البروفيسور الشهير، هذه الشخصية المتطابقة أوصافها مع شخصية العميل البريطاني جيمس بوند في الذكاء، الوسامة، قوة الشخصية وحضور البديهة، هواية ركوب الأخطار التحصيل العلمي العالي، ثم المغامرات النسائية والأناقة في المظهر استحقت أن تكون القلب النابض ومنطلق الأحداث، بل العنصر الحاسم في عملية الانتشار السردي. ذلك أن المهم في استراتيجية السارد هو ترشيح كائن مميز للقيام بفعل مميز. وهكذا يلعب الإرساء الفضائي، وكذا الإرساء الزماني دورا حاسما في رسم معالم الفعل الآتي. استنادا إلى هذا فإن عملية الإرساء الفضائي داخل عملية التسريد، من خلال مقابلة الشخصيات في ما بينها يتحدد الزمن النفسي، التربص، الانتظار، محنة البحث والعذاب، رحلة التقصي المحفوفة بالمخاطر قبل ولوج زمن الانفلات والخلاص الأخير ثم مردوديته على المستوى السردي. إنه مسرح للفعل، الملاحقة، المعارك ثم عودة الانسجام الكلي بين الذات والآخر. ما المقصود هنا بالملائكة والشياطين؟ هل الملائكة هم حراس العقيدة الإنجيلية الكاثوليكية والشياطين هم رواد الفكر التجريبي والعقل النهضوي الأنواري؟ أم العكس هو الصحيح؟ فالكل متورط في سفك دم أخيه، تارة باسم الإيمان والدفاع عن الصليب وتارة أخرى باسم العقل وكون الإنسان هو مركز العالم. إن هذه المقابلة هي مقابلة بين أتباع غاليلي
وشهداء العقل الأربعة الذين أحرقتهم محاكم التفتيش وأتباع سافونارولا عدو التطور والمعرفة العلمية والاجتهاد الديني، القائد الروحي والفعلي لهذه المحاكم. فحوار يوغاليلي الجدد من خلال هذه النافذة النصية يسعون سعيا حثيثا نحو الانتقام لشهدائهم الذين نكلت بهم الكنيسة إبان مجدها وسلطانها المطلق، فالنص يجسد لنا الترابط الوثيق والجدل القائم بين الشخصية في الرواية والثقافة التي تحتضنها وتروج لها. فالشخصية هي ثقافية في نمط ظهورها وثقافية في لباسها، في حركاتها وفي نوعية العلاقة التي تنسجها مع باقي الشخصيات الأخرى، وباختصار فهي حصيلة تجارب جماعية.
فالقديس بطرس هو الصخرة التي بنى عليها السيد المسيح كنيسته حسب المدونة النصية الإنجيلية الرسمية، وعلى قبره وضع حشاشو الأخوية السرية المادة المضادة المتفجرة المسروقة من مركز CERN السويسري العلمي، في خطوة جريئة لمحو أثر الديانة المسيحية بنسف قبور من حملوا رسالتها وثبتوا أقدامها ووطدوا أركانها في الأرض. إن الوحدات المعجمية المنظمة لعدد هائل من المفردات تتحول بفعل علاقات مع وحدات معجمية أخرى إلى مسارات تصويرية لحقول دلالية جمة يظهر فيها حضور المعجم الديني والعلمي بقوة، ثم الأسطوري والتاريخي مع فيض من الرموز الدينية والوثنية. فنصوص ولوحات رسام الفاتيكان بيرنيني تخفي في جبتها مبادئ الطبقة المستنيرة والعناصر المكونة للعالم (الهواء، النار، الماء، التراب) وهي مضادة لروح الفكر الكنائسي. فهذا الأخير روّج بدهاء كبير للأفكار المعادية للدين المسيحي من داخل قبة الفاتيكان، ولاسيما الإشارات الرمزية لكنيسة التنوير السرية عبر الإنشاد الديني، وكنيسة التنوير هي المكان السري الذي كان يجتمع فيه غاليلي بأتباعه من العلماء بعيدا عن أعين وجواسيس البابا. ومن هنا يتضح لنا جليا، ومن خلال النص أن هذه الطبقة الحاملة لمشروع فكري معاد للدين المسيحي قد خرجت من أحشاء الكنيسة. ومن زاوية أخرى يمكن التعامل مع هذه الوحدات وفق انتظامها على أنها تجميع لسلسلة من التشكلات الخطابية التي تقدم تصورا خاصا للعالم لقوتين تاريخيتين تقفان على طرفي نقيض. التصور الديني الذي حكم أوروبا ثم التصور العلمي الحديث الذي في حركة تطوره التاريخي جابه الكنيسة التي رفضت العقل العلمي ومبدأ كونيته.
وفي الختام وبعد مطاردة مسعورة ومحفوفة بالمخاطر عبر السراديب والمقابر والكاتدرائيات استطاع لانغدون مع رفيقة دربه العالمة فيتوريا فيترا الوصول إلى مخبأ هذه الطبقة المستنيرة وإحباط مؤامراتها ضد الفاتيكان ورجاله في محاولة للمصالحة بين أحــــفاد غاليلي ومريدي سافونارولا، ثم طي صفحة هذا الماضي الأليم. وبناء عليه فان الرواية دافعت عن فكرة تطابق الحقيقة الدينية والحقيقة العلمية مع فصل المقال في ما بينهما من اتصــــال وعدم افتراقهما في تصورهما للعالم.

خبار عاجل

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق