نقديات الاثنين: رواية(بعيدا عن الزحام المجنون) للروائي الانجليزي توماس هاردي: بارشيبا ابنة القسم لم تف بقسمها.

بقلم ناصر الحرشي…….
تدور رواية ( بعيدا عن الزحام المجنون) لكاتبها توماس هاردي في الريف الانجليزي في اواخر ستينيات القرن التاسع عشر اي في العصر الفيكتوري المعروف بقيمه المتزمتة واخلاقياته المتشددة .وكانت المرأة خلاله محرومة من ممارسة حرية الاختيار رغم خروجها للعمل ومواكبة الثورة الصناعية .الا ان وظيفتها الاساسية ظل ينظر اليها على انها يجب ان تنحصر في رعاية زوجها وانجاب الاطفال وتربيتهم .وكانت الطبقة الوسطى عموما ترى ان على المرأة ان تخضع تماما لزوجها ،ومن الناحية القانونية كان كل ماتملكه من عقارات ومزارع وخلاف ذلك يذوب في ممتلكات زوجها بعد زواجها مباشرة .وكان البون الطبقي واضحا وجليا في انجلترا الفيكتورية .وفي هذه الاجواء يقدم توماس هاردي في روايته هذه شخصية مختلفة للمرأة تلك التي تريد ان تمتلك زمام امورها وترفض قبول الزواج ممن يتقدمون اليها وتصر على القول بأنها ليست بحاجة الى زوج وانها ستكون اقوى من الرجال وان لا احد يستطيع ترويضها وهذه الشخصية هي ( بارشيبا ايفردين ) .الشابة الحسناء التي تحولت من مجرد عاملة زراعية تحلب الابقار وتقيم مع خالتها الى صاحبة مزرعة ورثتها عن عمها .فأخذت تدير امور المزرعة بمفردها فارضة وجودها ووسط مجتمع ذكوري محافظ .وبارشيبا اسم مستمد من العهد القديم ( الثوراة ) وتعني ابنة القسم .كانت قد رفضت في البداية عرضا للزواج من جارها (غابرييل) صاحب مزرعة لكن سيدير له القدر ظهره ليفقد المزرعة ثم يتحول الى عامل لديها وستثبت الايام ان غابرييل خير من يفهم في الزراعة ورعاية الماشية ودرء الاخطار المحدقة بها .بارشيبا اذن تحولت من فتاة فقيرة الى ثرية وصاحبة املاك ،بريق جمالها يسلب عقول الرجال .تعابث جارها الثري وهو الذي تجاوز منتصف العمر ،ومثل اي فتى مراهق يتعذب في غرامها ليعرض عليها الزواج لكنها ترفضه وتصده كما صدت غابرييل .لكن هذه المرأة القوية والمستقلة والجميلة والثرية التي تصر بأنها ليست بحاجة الى رجل يسيطر عليها سرعان ماتقع في غرام ( فرانسيس توري ) وهو ضابط شاب وسيم عابث مقامر ومستهثر ومخادع سستزوج بارشيبا هذا الاخير لكن هذا الزواج سرعان ماسينهار بسبب استهثار الضابق وخياناته الكثيرة وقد تبين انه طامع في مالها .وتحطمت ابنة القسم كما حطمت قلب غابرييل الذي ظل يحمل بين جوانحه حبا مقهورا وصامتا وظل مخلصا لها .ستحطم مرة اخرى هذه الاميرة العنيدة قلب الثري الودود ( بولدود) صاحب مزرعة كبيرة الذي اراد ان يهبها كل شيئ .بارشيبا هي ايضا ستدفع الثمن لانجراف مشاعرها نحو رجل محتال .فالمرأة التي كانت تصر على استقلاليتها وترفض ان تكون جزءا من ممتلكات اي رجل ترضخ في النهاية وتتزوج غابرييل المخلص رغم ماسببته له من قروح نفسية .فما الذي حدث ؟؟؟
هل ادركت بارشيبا اخيرا ان غابريبل بوفائه واخلاصه وحبه لها ( انقاذ المزرعة،علاج الحيوانات من الوباء ،وقوفه معها في السراء والضراء وحين البأس ،انقاذها من الاعيب المضاربين في سوق المضاربة على اسعار بيع الثمار والبذور).هو الاكثر جدارة بان تسلمه زمام نفسها وانه لاغنى للرجل على المرأة والمرأة على الرجل .
فلماذا اذن لم تف ابنة القسم بقسمها ؟؟؟ ام هي الخيل تسقط تباعا .ألا يستحق روبين هود أميرته ؟…